ومع ذلك تستلزم بعض الحالات الخضوع لها إذا لم تأتِ العلاجاتُ الأخرى بالنتائج المرجوة، لذا سيركز مقالُ اليوم على آلام ما بعد العمليات الجراحية باستعراض طبيعة هذه الآلام، العوامل المؤثرة على شدتها، وأبرز السبل للحد من وطأتها.
تعريفٌ بآلام ما بعد العمليات الجراحية
- يمكن تعريف آلام ما بعد العملية الجراحية (Postoperative pain) بأنها تجربةٌ مزعجةٌ على المستويين الجسدي والنفسي، ويرجع السبب في ظهور تلك الآلام إلى التلف الفعلي الذي يلحق بأنسجة الجسم من جراء الخضوع للتدخل الجراحي (Surgical intervention).
- ما يجب أن ينمو إلى علم المريض أن آلامًا كهذه لن تكتفي بإزعاجِه، بل إنها ستؤدي أيضًا إلى إبطاء مرحلةِ التعافي، هذا إلى جانب تمهيد الطريق أمام العديد من المضاعفات (Complications) الخطيرة، ومن هنا تتضح أهمية إدارة هذه الآلام لإيقاف تداعياتها.
أنواع آلام ما بعد الجراحة
تُصنّف آلام ما بعد الجراحة إلى نوعين أساسييْن، واستنادًا إلى نوع الألم يتم البدء في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتوائه ومنع تفاقمه، فالأسطر التالية توضح هذين النوعين على نحوٍ تفصيلي:
- الألم الحاد (Acute pain): يستمر هذا الألم لبضعة أيامٍ بعد الخضوع للتدخل الجراحي، وفي بعض الحالات يظل الألم حاضرًا لأسابيع طويلةٍ نتيجةً لتعرض الشقوق الجراحيةِ للالتهاب، الأمر الذي يستلزم وقتًا إضافيًا ريثما تكتمل مرحلةُ الالتئام.
- الألم المزمن (Chronic pain): هذا هو الاحتمالُ الأسوأ لآلام ما بعد العمليات الجراحية، إذ يستمر الألم لمدةٍ لا تقل عن 3 أشهرٍ منذ الخضوعِ للجراحة، ,وذلك مثل الألم المزمن في الظهر وفي معظم الحالات يظهر هذا الألم نتيجةً للإصابة بالتهاب الأعصاب المحيطة بموضع التدخل الجراحي.
طبيعة الآلام التي يشعر بها المريض بعد الخضوع للجراحة
مُخالِفًا جميع التوقعات، لا يكتفي الألم بإصابةِ موضع التدخل الجراحي، بل يمتد تأثيره لمناطق مختلفةٍ من الجسم كما هو موضح في تالي النقاط:
- ألم العضلات (Muscles pain): تستغرق بعض العملياتِ وقتًا طويلًا، وفي غضون ذلك يتقيد المريض بعددٍ محدودٍ من وضعيات الجسم، الأمر الذي يتسبّب في ظهور الآلام العضليةِ في الظهر، الكتفين، العنق، أو الصدر.
- ألم الحلق (Throat pain): يظهر هذا الألم نتيجةَ إدخالِ الأنبوبِ الحنجري (Endotracheal tube) في مجرى الهواء أثناء مرحلة التخدير، مما يساهم في تهيج الحلق وظهور الألم بعد الإفاقة (Awakening).
- الآلام الحركية (Movement pains): يواجه المريض العديد من التحديات إذا حاول القيام بأبسط الأنشطةِ الحركيةِ بعد الخضوع للتدخل الجراحي، وتشمل هذه الأنشطةُ كلًّا من: الجلوس، الوقوف، السير، والاستلقاء.
قياس شدة الآلام ما بعد الجراحة
يخضع المريض للفحص الطبي الشامل في حال معاناته من الألم المزمن بعد الخضوع للجراحة، وذلك لاستبعاد أي احتماليةٍ لوجود عدوى (Infection) أو أورام (Tumors) تقف وراء الشعور بهذه الآلام، فما إن يتم إقصاء هذه الاحتمالات حتى تبدأ مرحلةُ قياس شدة الألم بالاعتماد على الوسائل التالية:
- مقياس التناظر البصري (Visual analog scale – VAS): يتكون مقياس التناظر البصري من خطٍ مستقيمٍ يشير أحد طرفيه إلى عدم وجود أي ألمٍ، فيما يشير الطرف الآخر إلى أقصى درجات الألم، ومن خلاله يتم تحديد شدة الألم لاختيار الأسلوب العلاجي المناسب.
- مقياس التقييم الرقمي (Numerical rating scale – NRS): يشبه هذا المقياس المقياسَ التناظري إلى حدٍ كبير، إلا أنه يعتمد على تقييم شدة الألم باستخدام الأعداد الصحيحة، وهو ما يتنافى مع مبدأ عمل مقياس التناظر البصري القادر على تقييم حدة الألم بقيمٍ تناظريةٍ يُعبَّر عنها من خلال طول الخط المستقيم.
- التغيرات الفسيولوجية (Physiological changes): يمكن للتغيرات الفسيولوجيةِ أن تعبر عن مقدار الألم، حيث يأتي مستوى ضغط الدم (Blood pressure)، معدل ضربات القلب (Heart rate)، ونسبة تشبع الدم بالأكسجين (Oxygen saturation) في صدارة التغيرات التي يتم رصدها للاستدلال على حدة الألم الذي يكابده المريض.
محددات مقدار الألم بعد العمليات الجراحية
هنالك مجموعةٌ من العوامل التي تحدد مقدار الألم المتوقع بعد الخضوع للتدخل الجراحي، وهي العوامل التي يجب أن يكون المريض على درايةٍ بها ليكون مهيّأً من الناحيةِ الجسدية والنفسيةِ للصمود أمام تَبِعات هذه الإجراءات الجراحية، وفيما يلي بيان لأبرز هذه المحددات:
- عدد الشقوق الجراحية (Surgical incisions) وحجمها: يزداد الألم بازدياد عدد هذه الشقوق وحجمها، إذ يتطلب الأمر المزيد من الوقت لالتئام الشقوق وتعافي الأنسجةِ المحيطة بها.
- زمن الجراحة ومدى توغلها: يعكس زمنُ الجراحةِ مدى توغلها، فكلما أوغل الطبيبُ خلال التدخل الجراحي، كلما صار المريضُ بحاجةٍ إلى المزيدِ من الوقت لتهدأ ثورةُ الآلام فتكتمل مرحلة الشفاء.
- استعداد المريض للجراحة: لا يتفاعل شخصان مع الألم بالطريقةِ ذاتها، فلكل شخص استجابته الخاصة، ومن هنا تبرز أهميةُ إعداد المريض للجراحةِ من الناحيةِ الجسدية والنفسية، ففي هذا الإعداد تخفيفٌ واضح للآلام المرتقبة بعد العملية.
- عمر المريض: بطبيعة الحال يفرض التقدم في السن مجموعةً من القيود على التعافي السريع، ولعل هذا ما يفسر عدم ملاءمة بعض التدخلات الجراحية للفئات التي تخطت سنًا محددةً، والتي لا يمكنها أن تقوى على مثل هذه الآلام.
الوسائل الفعالة لعلاج الآلام الناتجةِ عن الخضوع للعمليات الجراحية
التسكين الذي يتحكم به المريض عبر الوريد (Patient-controlled Intravenous analgesia)
يوفر هذا الأسلوبُ العلاجي مضخةً يسهل على المريض التحكم بها، فما إن يقوم بالضغط عليها حتى تبدأ في إطلاق كمياتٍ صغيرةٍ من المسكنات (Analgesics) إلى الخط الوريدي (Intravenous line) في الذراع، مما يسمح للمريض بتخفيف الألم كلما ازدادت شدته.
تتمتع المضخةُ ببرمجةٍ خاصةٍ تضمن إطلاقَ كمياتٍ محددةٍ من المسكنات مع كل ضغطةٍ تتم عليها، ما يعني أن الضغط المطوَّل لن يطلق جرعاتٍ زائدة من المسكنات، الأمر الذي يكفل الحمايةَ للمريض ضد الآثار الجانبيةِ السلبيةِ التي تنتج عن الاستخدام المفرَط لمسكنات الألم.
التخدير فوق الجافية الذي يتحكم به المريض (Patient-controlled epidural analgesia)
يبدو هذا الأسلوب مشابهًا للأسلوب السابق، إلا أنه يعتمد على إيصال المسكنات لمنطقة فوق الجافية (Epidural area)، وهو ما يتم من خلال القسطرةِ التي توضع في منطقة الظهر بعد تعقيمِها واستخدام المخدر الموضعي (Local anesthetic) لئلا يشعر المريض بالانزعاج أثناء تركيب أنبوب القسطرة.
بالضغط على الزر الخاص بمضخة القسطرة سيتم إرسال جرعةٍ من المسكنات للسيطرة على الألم، وعادةً ما يكون التسكين فوق الجافية أكثر فعاليةً من نظيره الوريدي.
تقييد الأعصاب (Blocking nerves)
يشهد نشاط الأعصاب المستهدفةِ انخفاضًا ملحوظًا بالاعتماد على هذا الإجراء، وبذلك تفقد هذه الأعصاب القدرةَ على إرسال إشارات الألم إلى الدماغ، مما يؤدي إلى انحسار آلام ما بعد العمليات الجراحية بدرجةٍ كبيرة.
عادةً ما يتم تقييد العصب بعد إجراء العملية، إلا أن بعض الحالات تتخذ من تقييد الأعصاب أسلوبًا تخديريًا، إذ يتم إجراء التقييد العصبي لتخفيف الألم خلال العمليةِ وما بعدها.
مسكنات الألم الفموية (Oral pain medications)
- تأتي مسكنات الألم الأفيونية المخدرة (Opioid narcotic pain relievers) في صدارة الخيارات الفموية التي تعمل على تسكين الألم لفترةٍ تتراوح من 4 إلى 6 ساعاتٍ، إلا أنه يجب الحصول عليها وفقًا للجرعات المحددة لتفادي الدخول إلى دائرة إدمانها.
- على الجانب الآخر يمكن لمسكنات الألم غير المخدرة (Non-narcotic pain relievers) أن تكون خيارًا آمنًا للسيطرة على الألم من دون أن يُساء استخدامها، وتعتبر أدوية الأسيتامينوفين (Acetaminophen)، الإيبوبروفين (Ibuprofen)، والنابروكسين (Naproxen) أمثلةً شائعةً على هذه الفئةِ الدوائية.
الحصول على الرعاية الطبية لعلاج آلام ما بعد العمليات الجراحية
يجب أن يتلقى المريضُ الرعايةَ الطبيةَ للتعامل مع آلام ما بعد العمليات الجراحية على النحو الصحيح الذي يحول دون ظهور المضاعفات الخطيرة، وهو ما يتحقق بالتنسيق مع الدكتور علي مغنية بعد التواصل معه عبر الوسائل التالية:
- رقم الهاتف: 026 565 3 961+.
- البريد الإلكتروني: info@dralimoghnieh.com.
- لطرح استفسار أو حجز موعد: يتم ذلك عن طريق تطبيق Whatsapp.
الخاتمة:
مما تقدم يتضح لنا أن التعامل مع آلام ما بعد العمليات الجراحيةِ يجب أن يكون تعاملًا حازمًا لأقصى درجةٍ ممكنة، فالتهاون في طلب الرعاية الطبية يتسبّب في إبطاء مرحلة التعافي، وقد ينتهي الأمر بالمريض إلى مضاعفاتٍ لا تُحمَد عواقبها.
الأسئلة الشائعة:
ما هي أبرز مضاعفات آلام ما بعد الجراحة؟
قد تتسبّب آلام ما بعد الجراحة في العديد من المضاعفات على مستوى الجهاز التنفسي (Respiratory system)، هذا إلى جانب المضاعفات التي تؤثر على صحة القلب والأوعية الدموية (Cardiovascular complications).
ما هي الخصائص التي تنفرد بها آلام ما بعد العمليات الجراحية؟
تظهر هذه الآلام بالعديد من الأشكال مثل: فرط التحسس (Hyperalgesia) في منطقة الشق الجراحي، نقص التروية الدموية (Ischaemia) في موضع الجرح، والاستجابة الالتهابية (Inflammatory response) الناتجةِ عن ردةِ الفعل المناعية.
لماذا يتفاقم ألم ما بعد الجراحة بحلول المساء؟
يُفسَّر هذا التفاقم بالعديد من الأسباب مثل: التوتر ( Stress) الذي يسيطر على المريض إذا خلا إلى نفسه، والتأثير السلبي لبعض الأدوية على جودة النوم (Sleep quality)، هذا إلى جانب الاضطرابات التي تطرأ على الدورات التي يمر بها الجسم ما بين النشاطِ والراحة.
المصادر:
- sciencedirect.com: Postoperative pain
- cancer.gov: visual analog scale
- medlineplus.gov: Postsurgical pain treatment in adults
- my.clevelandclinic.org: Pain control after surgery